دعا الإسلام إلى برّ الوالدَين والإحسان إليهما، إلّا أنّه أولى الأمّ اهتماماً خاصاً، وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ)،[١][٢][٣] وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللهَ يُوصِيكمْ بِأمَّهاتِكمْ -ثلاثًا-، إنَّ اللهَ تعالَى يُوصيكُمْ بآبائِكمْ -مرَّتيْنِ-، إنَّ اللهَ تعالَى يُوصيكُمْ بالأقْرَبَ فالأقرب)
وذكر الأم ثلاثَ مراتٍ في كلا الحديثَين يدلّ على ثلاثة أمور: أولها أنّ برّ الأم والإحسان إليها مقدّمٌ على برّ الأب، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء،[٥][٦] وثانيها أنّ نصيب الأم من البرّ وحسن الصلة أعظم، فهو يعادل ثلاثة أمثال نصيب الأب،[٦][٧] وثالثها أنّه في حالة تعارض أمر الوالدَين واستحالة الجمع بين أمريهما فإنّ طاعة الأم أَوْلى من طاعة الأب.[٥][٨] ويعود سبب أحقّيّة الأم في تقديم برّها وحسن صلتها على الأب انفرادها بتحمّل ثلاثة أمور؛ وهي صعوبة الحمل الذي يستمر تسعة أشهر، والولادة، والرّضاعة، ثمّ لا تنفكّ تُشارك الأب في التربية، وتدعو بالخير والتوفيق لِأبنائها سرّاً وجهراً، وألّا يصيبهم مكروه يُذيب قلبها ويُحزنه
أوْلى الإسلام الوالدَين اهتماماً عظيماً، وممّا يُظهر ذلك أمران: أوّلهما أنّ الله -تعالى- قرن أمر الإيمان به وإفراده بالعبادة بالأمر ببرّ الوالدَين والإحسان إليهما، كما في قوله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا)،[١١] وثانيهما أنّ الله -تعالى- قرن شكره بشكرهما، كما في قوله -تعالى-: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)،[١٢][١٣] وتجدر الإشارة إلى أنّ برّ الوالدَين والإحسان إليهما إحدى شيَم ومكارم أخلاق الأنبياء، فقد وصف الله -تعالى- نبيّه يحيى -عليه السلام- بقوله -تعالى-: (وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا)،[١٤] وقوله -تعالى- على لسان نبيّه عيسى -عليه السلام-: (وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا)،[١٥][١٦] ومن الفضائل التي ينالها المسلم ببرّه لِوالدَيه والإحسان إليهما ما يأتي:[١٧] برّ الوالدَين والإحسان إليهما أقرب الأعمال الموصلَة إلى الجنّة بعد الصلاة على وقتها، وذلك لِما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ).[١٨] برّ الوالدَين والإحسان إليهما أحد أسباب مغفرة الذُّنوب وتكفيرها، وذلك لِما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي أذنَبْتُ ذنبًا كبيرًا فهل لي مِن توبةٍ؟ فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألكَ والدانِ؟ قال: لا قال: فلكَ خالةٌ؟ قال: نَعم قال: فبَرَّها إذًا).[١٩] برّ الوالدَين والإحسان إليهما سببٌ في نيل رضا الله -تعالى-، وهو ما يترتّب عليه نيل السّعادة في الدّارَين، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (رضا الرَّبِّ في رضا الوالدِ وسخطُ الرَّبِّ في سخطِ الوالدِ).[٢٠] برّ الوالدَين والإحسان إليهما سببٌ في البركة بالعمر والرّزق الواسع، وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن سَرَّهُ أنْ يُمَدَّ له في عُمُرِه، ويُزادَ في رِزقِه، فلْيَبَرَّ والِدَيهِ).[٢١] برّ الوالدَين والإحسان إليهما أحد الأسباب المؤدّية للفوز بالجنة ونعيمها، وذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ).[٢٢][١٣][١٦] برّ الوالدّين والإحسان إليهما أفضل الطاعات المُقرِّبَة إلى الله -تعالى- بعد الصلاة على وقتها، وذلك لِما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلَاةُ علَى وقْتِهَا قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوَالِدَيْنِ).[٢٣][١٣][٢٤] برّ الوالدَين والإحسان إليهما أحد أسباب إجابة الدعاء وتفريج الهموم والكربات،[١٣][١٦] وذلك لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوْا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ، فَقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ)،[٢٥] وكان أحد الثلاثة كثير البرّ بوالدَيه، فلم يكن يُقدِّم عليهما أحدٌ في شرب اللّبن، إلّا أنّه قد تأخّر عليهما يوماً فناما، فأخذ ينتظر استيقاظهما حتى بزغ الفجر فسقاهما، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على لسانه: (اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شيئًا).[٢٥][١٣]
تعليقات
إرسال تعليق